١١/٠١/١٤٣٠

قصة أبكتني كثيرا .. لكن أسعدتني جدا نهايتها الرائعة‎







كم أحزنتني هذه القصة كم أبكتني

لكن أسعدتني جدا نهايتها


أعجز تماما عن التعبير عن مشاعري تجاه هذه المرأة العظيمة التي روت القصة


والتي أقف لها إجلالا وإكبارا على كفاحها وصبرها


قصة حقيقة على لسان إمرأة نقلتها لكم من الكتاب الرائع "هكذا هزموا اليأس" للأستاذة "سلوى


العضيدان"، وهو من الكتب الرائعة جدا التي أنصح بقراءتها


قد تتعجبون عند قراءتكم لقصتي وقد تقولون بأنها ضرب من الخيال ولكن لتعلموا أن كل حرف فيها ينبض بالصدق والحقيقة فقد نسجتها لكم من خيوط معاناتي




لتعرفوا فقط أنني ماعانقت اليأس فيها يوما ً لأنني توكلت علي ربي سبحانه وفوضت أمري إليه فمنحني قوة الأيمان والأمل . . . التي جدفت بهما حتى رسوت في نهاية علي ميناء السعادة والحقيقة , فاقرؤوها . . لتزرعوا الأمل فيما بعد في جنبات حياتكم . . . ولتطردوا منها كل طائر يأس قد يعشش فيها .





عشت الطفولة بائسة أقل مايقال عنها بأنها كئيبة مظلمة وسط أسره فقيرة لا تكاد ماتسد به رمقها من الجوع . . لم أعرف طعم الحلوى والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتي البائسة تلك ومازلت أذكر كيف أننا كنا ننتظر الأعياد ومناسبات الأفراح لجيراننا وأهل الحارة بفارغ الصبر والترقب لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي نحرم منها طوال العام . . . كانت أسرتي أسرة مفككة لا يكاد الفرد فيها يشعر بالآخر فلكل منا عالمه الخاص المغلق عليه هو فقط ولا يستطيع أي كان أن يدخل إليه لا لأن أبوابه موصده بقوة . . . بل لأن أيا منا لم يكن ليهتم بدخول عالم الآخر فكل فرد من أسرتي للأسف كان لديه مايشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها . . . !!


كان أبي يعمل "مستخدما ً" في أحد المعارض وراتبه البسيط لايصل بالأسرة الكبيرة إلي نهاية الشهر بأمان . . . بل كثيرا ً ماتتوقف بنا سفينة الحياة في منتصف الشهر . . هذا بالرغم من بؤس عيشنا وشظف حياتنا !!



كان والدي إنسانا ً سلبيا ً قانعا ً من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع أحيانا ً لايعلم عنه شيئا ً . . وربما كان لاستخدامه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه من السجن آثارا ً سلبيه جعلته لا مباليا ً بكل ماحوله . . كنت أشفق عليه أحيانا ً وأنا أرى نبتة الأمل تخبوا في نفسه يوما ً بعد الآخر كان كثير الصمت والشرود لايحرك ساكنا ً ولو أنهارت الدنيا من حوله . . أو كأنما هو أحس بأن خيوط حياته قد أفلتت من بين يديه فآثر أن لايركض وراءها فأذعن لها بكل انهزاميه واستسلام . . أما والدتي واعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقه المؤلمة . . فالحقيقة أشد إيلاما ً , فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها لم تستوعب يوما أنها زوجة وأم . . . عليها واجبات تجاه زوجها وأبناؤها وكانت دائما ً تنظر إلي مافي أيدي الآخرين وتحسدهم على ما أنعم الله به عليهم وتستجديهم وتريق ماء وجهها ليجودوا عليها ببعض الفتات . فكأن أمي وأبي قد اعتبروا أن هذه الأسرة مصيبة حلت عليهم فهم يخشون مواجهتها أو حتى التعايش معها...!! أما إخوتي فحدث ولا حرج فهم يعيشون بين جنبات الشوارع بلا هدف ولا معنى . . وأغلبيتهم انحرفوا عن جادة الصواب والطريق القويم دون أدنى مساءلة من أبي وأمي . . . حتى إخوتي البنات لم يقمن وزنا ً للأخلاق ولا للشرف ولاحتى لنظرة المجتمع من حولهن .... !! والكارثة العظمى أن إخوتي بمجرد وصولهم إلي الصف الرابع الإبتدائي فإنهم يتسربون من مدارسهم بلا سبب سوى ضجرهم وعدم قدرتهم على النهوض صباحا ً فيقررون هكذا الإنقطاع عن المدرسة دون حسيب أو رقيب والإكتفاء بالتقلب داخل رحم التخلف والإنحراف والتشرد . . في ظل شرود أبي وتسكع أمي بين شوارع الحارة .


عشت هذه الطفولة الكئيبة وأنا كارهة لوضعي ناقمة على أمي وأبي اللذين تجردا من أشرف وأسمى لقب في الوجود . متشبثة بدراستي بقوة سمكة صغيرة مرتجفة تسبح ضد التيار الذي لايرحم , وقد كنت من المتفوقات بالرغم من قسوة الظروف من حولي وتفكك أسرتي وانحراف أفرادها بلا أستثناء . . وسأحدثكم الآن عن اليوم الذي غير مسار حياتي للأبد وفيه بدأت مأساتي الحقيقية والتي لولا إيماني بالله ورحمته بي لما تجاوزتها . . فحين حصلت على شهادة الصف الثالث متوسط وأنا الوحيدة من أسرتي التي وصلت إلي هذا المستوى . . تقدم رجل لخطبتي من أبي وكنت حينها في الخامسة عشر من عمري أما هو كان في الستين من عمره مصاب بالضغط المرتفع والسكري ومدمنا ً للخمر وتاجرا ً للمخدرات مما يُدر عليه دخلا ً مرتفعا ً وهكذا هو سبب الوحيد الذي جعل لعاب أمي وأبي يسيل ولا يكاد يقاوم الإغراء المادي الذي يتراقص أمامهما بكل بريق ولمعان , ومن دون تردد وافقا ودون حتى أن يأخذا موافقتي صرخت في وجهيهما . .لا أريده . . أريد أن أكمل دراستي . . . زوجوه أختي الكبرى . . ولكن للأسف كان صوتي مجرد صدى يتردد من حولي دون أن يسمعه أحد سواي وكأنما كنت أحادث الفراغ اللامتناهي أمامي وليس والدي فقد أصما عقليهما إلا من نداء المال قبضت أسرتي ثمن البيعة الخاسرة وهي مسرورة بالرغم من علمهم بأنه من مصدر حرام . . وتم زفافي وسط جو كئيب من التعاسة واللامبالاة . . فتخيلوا أن أمي لم تفكر حتى توجيه أي نصيحة لي تلك الليلة أو حتى إلقاء نظرة على زينتي وماكياجي الذي وضعته أنا على وجهي أو حتى أن تتفقد أغراضي التي أحتاج إليها في بيتي الجديد . . أتعلمون ما أول شي وضعته في حقيبتي , وضعت دروسي وكتبي والتي كنت أتعلق بها كما يتعلق الطفل الصغير بثوب والدته خشية ضياعه منها في دروب الحياة الغامضة . ودخلت داري الجديدة , عفوا ً أقصد سجني وبمجرد أن أغلق الباب وراءه بدأ بافتراسي كما يفترس الذئب ضحيته بكل وحشية ودموية حاولت الهرب منه ولكنه لم يمهلني بل بدأ بتمزيق فستان زفافي ومعه مزق كل معنى جميل كنت أحاول رسمه لحياتي القادمة . . . لقد أغتصبني كما يغتصب المجرم عديم الأخلاق ضحيته في شوارع الليل المظلمة وبين جنبات الخرائب المتهدمة , وبعد أن انتهى من جريمته تناول شرابه الكريه واستلقى على فراشه كثور ضخم متبلد الإحساس دون حتى أن يكلمني أو ينظر إلي وجهي وارتفع صوت شخيره البغيض وهو أشبه بصوت طرق عنيف على أذني . . ولكم أن تتخيلوا فتاة في الخامسة عشر من عمرها في هذا الموقف المروع الذي أغتال آدميتها ونقاءها أخذت أرتجف وأجفف جراحي النازفة وأهدي من روعي المتصاعد من هذا الوحش الآدمي . . . الذي يرتدي عباءة الزوج . . خمس سنوات مرت من عمري دفعتها كفاتورة قاسية للجشع والطمع اللذين أعميا أبصار أهلي , خمس سنوات مرت من عمري دفعت ثمنها غاليا ً وذقت فيها ألوان العذاب من ضرب بالسياط والنعال- أكرمكم الله – والحبس وحتى الحرمان من الطعام وكأنني خادمة يتيمة في قبضة سيد اشتراها من ماله فهو يتحكم بها كيفما يشاء . . . كل ذلك لم يقهرني بقدر ما قهرني وجعلني أنزف من داخل حرماني من الدراسة ورفضه التام لذهابي إلي المدرسة أو حتى لانتسابي وأدائي للاختبار نهاية العام,أصبحت أشبة بهيكل عظمي نتيجة الهم والغم الذي أصابني بسبب حرماني من الدراسة ولكن الرزاق الرحيم يشاء أن يهبني أطفالا ً يشغلوني عن كثرة التفكير بحرماني الدراسة التي أعشقها إلي درجة لا يتصورها إنسان ,أنجبت ولدين وبنت خلال خمس سنوات فقط وأنا في العشرين من عمري لقد عاهدت نفسي أن أجنب أطفالي جميع ما مررت به في طفولتي من ألم الإهمال وعدم الإحساس بالأبناء . . ولكن أني ذلك وأبوهم إنسان متجرد من شرف الأبوه فبمجرد أن يشرب الخمر ويصبح ثملا ً فإنه يقوم بضربي وإياهم على أتفه الأسباب . . أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة كنت أحتضنهم وأنام وأياهم ونحن جالسين خوفا ًمن أن يقوم بقتلنا كما كان يتوعد دائما ً . . . أما حين يكون بحاجة للمخدر ولا يجده فإنه يقوم بتحطيم الأثاث وتكسير الأواني وطردي مع أطفالي إلي الشارع وكثيرا ً ماقام جيرننا الطيبون بإيواننا رحمة وشفقة بنا ولعلكم تتساءلون عن والدي ودورها في مساعدتي . .؟


اسمحوا لي أن أصدمكم بقولي . . . أنهما لم يحركا ساكنا ًتجاه مايريانه من أحداث مؤلمه تحيط بي . وكاد اليأس أن يتسلل إلي نفسي من هذهـ الحياة السوداء التعيسة التي أعيشها ولكن قوة إيماني بربي كانت تحول بيني وبين هذا الشبح البغيض . . دعوت الله في تلك الليالي المدلهمة أن يفرج كربي ويزيل عني هذا البلاء الذي تعجز نفسي المرهفه على احتماله ! واستجاب الله لدعائي . . ففي ذات يوم سمعت صراخ الجيران من حولنا وهم ينادون علي "يا أم فلان . . زوجك . . زوجك. . " ركضت أنا وأطفالي مسرعين خرجنا من الدار لنرى ما حدث . . لقد قام زوجي السكير بالعراك مع رجل من زبائنه اختلف وإياه على ثمن قطعة هروين فتطاعنا بالسكين فطعنه زوجي طعنات قاتله فمات على الفور ...


لقد شاهدت زوجي المجرم وقد تلطخت ملابسه بالدماء وهو يرتجف بين أيدي رجال الشرطة,كما يرتجف الفأر المذعور حين يقع في المصيدة, كانت شفتاه تميلان إلي اللون الأبيض من هول الموقف , وأطرافه بالكاد تحمله , أما عيناه فكانتا زائغتين ينظر إلي الناس من حوله بذهول أما أنا فلا تسألوني عن مشاعري المضطربه حينها , لا أدري أهي لحظات سعادة , أم شماته انتظرها من زمن طويل , أم هي مشاعر ألم هيجتها ذكرياتي المؤلمة , لم أشعر إلا وأنا أردد لا شعوريا ً , الحمد لله .. الحمد لله .. تذكرت تلك الليلة الحزينة ليلة زفافي الأليمة حين وجه طعناته النافذة , واغتصبني بقسوة رجل سكير يحمل بين جنبيه قلب من صخر لا رحمة فيه ولا شفقه . . تذكرت جراحي النازفة وثيابي الممزقة , وارتجافي بين يديه بخوف , لم أكن أعلم إلي أين أفر , ولم يكن لي مهرب تذكرت دموعي الساخنة في تلك الليلة السوداء , يا إلهي هاهو الزمن يعيد تصويره العجيب إنه اليوم نفس موقعي بالأمس , يالها من دنيا عجيبة , وبعد أسبوع فقط من القبض عليه وقبل حتى أن تبدأ محاكمته , أصدرت عدالة السماء حكمها فمات بعد ارتفاع الضغط وإصابته بنزيف دماغي , , أتتخيلون البلبل الصغير حين يفتح له باب القفص فجأة فيتردد في الانطلاق ظنا ً منه أن ذلك حلم , كنت إنا مثله تماما ً , بصقت على دولاب ملابسه وعلى كؤوس خمره القذرة وعلى سوطه الذي ألهب جسدي وجسد أطفاله من ضرباته المؤلمة بصقت على كل شبر في منزلي سار عليه برجليه الكريهتين وجاءت أسرتي تعزيني بوفاته وأنا التي لم أرهم منذ سنتين فكانت أول كلمة قالتها أمي حتى قبل أن تقبلني "الله يرحمه . . . هل عنده ورث ؟"!! ولولا خوفي من الله لطردتها وطردتهم جميعا ً , ومن تصريف رب القدر أن زوجي كان مديونا ً وحين علمت أسرتي بذلك لم أعد أراهم , فقد خافوا أن أشكل عليهم عبئا ً إضافيا ً أنا وأطفالي , شعرت بالإلم الممزوج بالقهر , فيا لها من بيعة خاسرة تلك البيعة التي أبرمها أهلي مع ذلك الجلاد . . خمس سنوات من عمري ضاعت . وحين كان أهلي يستعدون لجني الأرباح وجدوا أن الأسهم كانت خاسرة . . . ففضلوا الهرب بعيدا ً , جلست أفكر مليا ً فأنا الآن أمام مفترق الطرق , فأنا أرملة جميلة في العشرين من عمري لدي ثلاثة أطفال , وليس لدي مورد رزق . . . ماذا أفعل ؟؟! أمامي طريقان أسلكهما الأول هو طريق الكفاح والصبر . . والأمل البعيــد , والثاني طريق الكسب السريع حين أبيع أنوثتي للراغبين في أمرأة جميلة ووحيدة , أخترت الطريق الأول بلا تردد . . فأهم شيء حصلت عليه من رحلتي المؤلمة أنني أصبحت حرة ليس لهؤلاء عديمي الرحمة والشفقة قيد علي فكان أول ما فعلته أنني بعت آخر قطعة ذهب خبأتها عندي بمبلغ لا بأس به ورحلت عن هذا المنزل الكريه الذي شهد أسوأ ذكرياتي . . . وانتقلت أنا وأطفالي إلي مدينة بعيدة وهناك استأجرت غرفة صغيرة بحمامها , واشتريت موقدا ً صغيرا ً وسريرا ً مستعملا ً ليضمني أنا وأطفالي , وبعض الأواني القديمة المستعملة , أعترف أنها كانت غرفة حقيرة حتى في نظر الفقراء ولكن ما جعلها مثل حلم بنظري هو أنني بوحدي فيها مع أطفالي فأنا التي أحدد مصيري بعد إرادة الله طبعا ً فلا أحد بعد اليوم سيرسم لي طريق حياتي البائسة . بدأت أبحث عن عمل شريف أعيش منه أنا وصغاري ولقد سخر الله لي جيران طيبين ساعدوني كثيرا ً فقد كانوا يتصدقون علينا ببعض الطعام والملابس القديمة وأحسنوا إلي فجزاهم الله خير الجزاء ووجدت عملا ً حكوميا ً كمستخدمة في إحدى المدارس الثانوية القريبة من بيتي , ولا أنسى أول راتب قبضته في حياتي , صحيح أنه كان بسيطا ً ولكن دموعي انهمرت من عيني لحظه استلامه بكيت كثيراً


وحمدت الله على رزقه وإعانتي على لقمة العيش الشريفة , اشتريت لأطفالي ملابس جديدة وألعابا ً وطعاما ً طيبا ً ولأول مرة منذ أربعة أشهر أطبخ لحما ً ودجاجا ً لأطفالي , واشتريي لهم بسكويتا ً وشو كولاته , كنت أرى السعادة تتراقص في أعينهم وهم يتلذذون بما أحضر لهم خاصة حين هجرنا الخوف من ذلك المجرم الذي كان يضربنا في كل لحظة وكأننا كلاب شريرة جاءت تتسول على بابه . مرت سنة كاملة علي وأنا في وظيفتي استطعت خلالها أن أكسب احترام مديرتي وتعاطف المعلمات وحب الطالبات بما منحني الله من تفاني بالعمل وإخلاص , وذات يوم سألت نفسي لم لا أكمل تعليمي الثانوي خاصة أنني في مدرسة ثانوية وعرضت الأمر على مديرتي فشجعتني كثيرا ً وفعلا ً قدمت أوراق انتسابي وكانت صدفة أن ابني البكر يدرس في الصف الأول الابتدائي وأنا في الصف الأول ثانوي . اجتهدت كثيرا َ في دراستي بالرغم من الأحمال الملقاة على عاتقي كأم وموظفة وطالبة ,وفي خلال ثلاث سنوات حصلت علي شهادة الثانوية العامة بنسبة سبع وتسعون بالمائة وكانت هذه النسبة مفأجاة لكل من حولي بكيت كثيرا ً وأنا أرى ثمار جهدي بدأت تنضج . . . انتقلت من عملي كمستخدمه وقدمت على وظيفة كاتبه في إحدى الدوائر الحكومية براتب جيد بالإضافة إلي تقديم أوراق انتسابي إلي الجامعة قسم التربية الإسلامية , استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين وصالة ومطبخ مستقل وحمام ولأول مره يدخل التلفزيون بيتنا بعد أن أخذت سلفه من بنك أثثت فيها شقة أثاثا ً جديدا ً صحيح أنه كان بسيطا ً ولكنه لم يكن مستعملا ً وبدأت ارتاح نوعا ً ما في حياتي خاصة أن أطفالي جميعهم دخلوا المدارس وأصبحوا من المتفوقين دراسيا ً وأخلاقيا ً , اشتريت لأطفالي ما كانت نفوسهم تهفوا عليه من ألعاب رخيصة , وملابس بسيطة وحاولت قدر الإمكان أن أعوضهم عن حاجتهم إلي العائلة الكبيرة , فكونت صداقات عميقة مع زميلات وأخوات في الله , كن نعم العون لي فكنا نذهب في نزهات وزيارات سوية نُروح عن أطفالنا والذي كان يثلج صدري ويمنحني الصبر والأمل هو نظرات الحب التي كنت أراها في عيون أطفالي وتلك القبلات اللذيذة التي يعطرونني بها بمناسبة أو بدونها , مرت أربع سنوات عصيبة حصلت فيها علي البكالوريوس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى ثم استقلت من عملي ككاتبة وتم تعييني معلمة في مدرسة ثانوية كان أبني الكبير في الثالثة عشر من عمره حين أصبحت معلمة احتضنني بقوه وهو لا يكاد يغالب دموعه قائلا ً "أمي أنا فخور بك وأنت أعظم أم في العالم " واحتضنتهم جميعا ً وظللنا نبكي بلا شعور لساعات طويلة , ولأول مرة حياتي أقبض مرتبا ً ضخما ً , تصدقت بنصفه كشكر لله على نعمه المتوالية علي وبما يسر لي من أسباب الرزق وبنصفه الباقي اشتريت لأطفالي جميع ما يحتاجون إليه وبدأت فيما بعد أدخر جزءا ً كبيرا ً منه لبناء منزل خاص بنا , وقدمت على الماجستير وحصلت عليها خلال سنتين فقط بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف , وبدأت في بناء منزلنا الكبير المكون من طابقين به عشر غرف وصالتين ومطبخ ومستودع وحديقة كبيرة ومسبح جميل وقدمت على الدكتوراه وكان مشوارها صعبا ً جدا ً خاصة أن أطفالي بدؤا يكبرون ويتدرجون في فصولهم فكان الإرهاق يكاد يقتلني أحيانا ً وأنا أشتت نفسي بين عملي كمعلمة وبين مذاكرتي للدكتوراه وأبحاثي وبين مذاكرة أولادي وبين الإشراف على البناء والتأثيث والذي كان أثاثا ً فخما ً ورائعا ً , حصلت خلالها على درجة الدكتوراه وبإمتياز أيضا ً مع مرتبة الشرف وتم تعييني كأستاذة في الجامعة , وأنا في السابعة والثلاثين من عمري , أتعلمون لحظة استلامي لشهادتي بمن فكرت ؟؟ لقد فكرت بأمي , ترى لو رأتني في هذا المشهد فهل ستبكي من الفرح , أم أنها ستسألني عن العائد المادي الذي سأجنيه من وراء ذلك ؟!


ولكن لا تعتقدوا أني إنسانة عاقة لوالدتي أو أنني لم أحاول صلتها في ما مضى بالعكس لقد ذهبت إليها أكثر من مرة خلال مشوار حياتي فوجدتها كما هي لم تتغير تتسكع بين بيوت الجيران وتهفوا إلي المال دائما ً أيا ً كان مصدره حتى أنها كثيرا ً لا تسأل شقيقاتي من أين يأتين بالمال بل أهم من ذلك أن يعطينها شيئا ً منه . . . أما والدي فقد توفى بعد زوجي بسنة واحدة اقتطعت جزءا ً من مرتبي شهريا ً وكنت أرسله لها بإنتظام إلي أن توفاها الله بعد ذلك . . أما إخوتي وأخواني فلم يكن يُشرفني التعرف إليهم أو تواجدهم في حياتي فابتعدت عنهم من أجل أبنائي , ابتسمت الحياة لي بعد عبوس طويل فها أنا الآن لي مركزي الإجتماعي وأعيش في بيت فخم وعندي الخدم والسائقين وأبنائي جميعهم قد تخرجوا من جامعاتهم العلمية فابني الأكبر أصبح طبيبا ً جراحا ً والآخر مهندس معماري والصغرى طبيبة أطفال وقد زوجتهم جميعا ً وأصر أبني الكبير أن يعيش هو وزوجته معي فملآ علي البيت بالحياة وضحكات الأحفاد وها أنا الآن في الخامسة والخمسون من عمري مازلت أحتفظ بمسحه من جمالي برغم جميع الظروف التي مررت بها . . .



قصتي هذه أهديها إلي كل يائس ومحبط لعل بها من بصيص الأمل ما يبدد لحظات اليأس في حياته !!



وصدقوني لو استسلمت لليأس ولحظاته المريرة لما وصلت إلي هذه الحياة التي أعيشها الآن بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل تمسكي بالأمل رغم كل الخطوب من حولي .



اليأس قاتل حين نشرع له أبوابنا كضيف ثقيل لايبالي بمشاعر الآخرين ...



فهذا اليائس إياك أن تفتح له بابك وإن ادلهمت من حولك الصعاب ...!!



فصدقوني ومن تجربة خضتها واستطعت النجاح فيها ليس هناك أجمل من التفاؤل والتشبث بالأمل حتى وإن كان صغيرا ً .



والأهم هو عدم اليأس من رحمة الله .



2 التعليقات:

غير معرف يقول...

قصه رائعه فعلاً , وكما قيل ( لا يأس مع الحياة ) والإيمان بالله وبقضائه وقدره واجب .....

السؤال المطروح , يا ترى هل من معتبر ؟؟

admin يقول...

شكرا لك ....

القصص كثيره ولكن دائماً هذا هو السؤال

الذى يقف عنده الكثيرون

هل من معتبر ؟؟

إرسال تعليق

All you wants © 2008 | تصميم وتطوير حسن

سياسه الخصوصيه